#شعر | حسن بعيتي: غيمة المعنى

فن وثقافة

الآن 2440 مشاهدات 0


"ستلمعُ نجمةٌ أخرى على صدر الكلام
لأنه سيكون آخرَ  ما كتبتُ عن الحياةْ"

نجمة من الإبداع لها موعدٌ حتميٌّ مع اللمعان في سماء الكلام وفي الصدر منه، قد تكون آخر نجمة متوهجة إذ لاينبغي لنجمة أخرى ضئيلة التوهج بالظهور ، حتى وإن تواترت قوافل الزمن ، وانغلقت أبواب الحياة.

هنا الشاعر السوري المتألق حسن بعيتي الذي حصل على لقب الإمارة في مسابقة "أمير الشعراء الشهيرة "2009 يكتب قصيدة محتشدة بإبداع طافح، وجمال واضح من خلال توظيف الجُمل المجازية الموفقة في لوحات شعرية مشرقة، هكذا تكون قصيدة التفعيلة في أبهى صورها:

سأكونُ أجمَلَ بعدَ مَوتي
سوف يصقلُني الرحيل
وسوف يعتصرُ الغيابُ مَلامحي
ويصبُّها كالخمر غامضةَ المَذاق كثيرةَ المعنى
ستلمعُ نجمةٌ أخرى على صدر الكلام
لأنه سيكون آخرَ  ما كتبتُ عن الحياةْ

سيعودُ قلبي ناصعاً
ومُنزّهاً عمّا اقترفتُ من الخيال
وما اقترحتُ من الجنون
وما جرحتُ من الرؤىْ والذكرياتْ

وسيغفرُ الأصحابُ أخطائي الكثيرةَ
يندمون .. لأنهم غابوا كثيراً
بينما سيُراجعُ الأعداءُ فِكرتّهم
ولكن بعدَ فَوتِ
سأكونُ أجمَلَ بعدَ مَوتي

حين ألمعُ في خيال صبيّةٍ نغَماً
وإيقاعاً يُرافق قلبَها نحو السماء
وحين تفتتح الغِناء بدمعها أمي
وتغلِقُ قلبَها
لتنامَ من دوني وحيدَةْ

سأكونُ أجمَلَ حين أدخلُ حُلمَها
وأرى يدَيها تمسحانِ الغيمَ عن قلبي
لأعرفَ وجهَ رِحلتيَ الجديدَةْ

سأكون أجملَ
حين تحكي عن حياتي
نجمةٌ كانت تُراقبُني وتسكنُ أغنياتي
أخبريني ما يقولُ الناسُ
عن لُغتي المُصابةِ بالضباب وبالعُلُوّ
وأنصفيني حين يختلفُ الصديقُ مع العدُوّ
ولا أكونُ لكي أدافعَ عن صِفاتي

حين أدخلُ غيمةَ المعنى
كأني لستُ إلا ما تخطُّ على الضياءِ فراشةٌ
أو ما تقولُ غَمامةٌ عنّي
كأنَّ الموتَ يُنقِذ صورتي منّي
يُغربلها
ويرفعها إلى التجريد أكثرَ كلما ابتعدَتْ إلى الماضي
ستصقلني يدُ الماضي
كمعجزةٍ رَوَاها الغابرون فأنقذوها بالمَجاز
وهذَّبوها عندما شرحوا كلامَ الأولياءْ
فزُيِّنَ المعنى بما اجترحوا
وما اقترحوا على لغةِ السماءْ
وما أضافوا من بريقٍ في الأساطير القديمة
كي نصدِّقَها
وننجو من تردُّدهم
فلِلموتى بهاءُ السابقينَ القابضِينَ على الحقيقةِ قبلَنا
اَلسائرِينَ على رمالِ الغيب
للموتى  بَهاءُ  الغائبِينَ الصامتِينَ معَ الألوهةِ في السماوات البعيدَةْ

سأكونُ أجملَ في غِيابي
حين يرسمُني ضِياءٌ لم أكُنْهُ رُبَّما يوماً
ولكنْ .. سالَ مِنِّي في القصيدَةْ

تعليقات

اكتب تعليقك